تقارير وتحليلات

تنظيم داعش في كشمير: ساحة مواجهة مقبلة بين واشنطن وبكين

الإعلان الصادر عن تنظيم «الدولة» والذي نشرته وكالة «اعماق» التابعة لها عن إنشاء ولاية الهند في اقليم كشمير المقسم بين الهند وباكستان، مجرد إعلان عن انشاء ولاية بديلة بعد انهيار دولة التنظيم في العراق وسوريا، بالتوازي مع ما يشاع من معلومات عن انتقال العديد من عناصر هذا التنظيم من بلاد الشام الى دول شمال افريقيا خصوصا صحراء سيناء وليبيا والسعي لاعادة تشكيل دولتهم من جديد.
يمكن القول هنا، إن العقل المدبر والمفكر لهذا التنظيم لا ينطلق عن عبث او من دون وجود ارضية فكرية للخطوات العقائدية التي يقوم بها، فهو يعتمد في اختيار هذه المنطقة من آسيا وشبه الجزيرة الهندية بناء على جدل فكري اسلامي ساد العالم الاسلامي ما بعد عام 1924 بعد اعلان مصطفى كمال اتاتورك انهاء الخلافة الاسلامية، فظهرت مقولات بين العلماء المسلمين الهنود والذين كانوا يشكلون أكبر كلتة بشرية إسلامية في تلك المرحلة، بأن المؤهل لاقامة الخلافة الإسلامية هم المسلمون الهنود وليس العرب أو الاتراك. وقد تعززت هذه التوجهات فيما بعد على يد المفكر الإسلامي ابو الأعلى المدودي (مؤسس الجماعة الاسلامية في الهند 1960) والمتأثر بمروحة واسعة من الشخصيات الفكرية والعلمية الدينية من ابن تيميه، وابن قيمة الجوزية، إلى محمد اقبال، والملا صدرا، فأعاد طرح نظريته حول الدولة الإسلامية التي تكون قادرة على إحياء الخلافة الاسلامية وتراعي الممارسة الديمقراطية. وهي الأفكار التي تشكل الاساس الفكري والايديولوجي لحزب الجماعة الاسلامية الذي نشط في كل من الهند وباكستان وبنغلادش، وتأثر به قادة جماعة الاخوان المسلمين حسن البناء وسيد قطب وعبدالله عزام. لذلك فان هذه المنطقة تشكل أرضية باستعدادات كامنة لاحياء مشروع «الدولة الإسلامية» في استمرار دولتها.
إعلان التنظيم سيطرتها على المناطق الجبلية شمال كشمير، أي في المناطق المحاذية للجزء الباكستاني من هذه الولاية، يعني أن طرفي أو جزئي كشمير (الهندي والباكستاني) باتا في دائرة التأثير لهذا التنظيم ومسرحاً لعملياته ونفوذه وساحة لإعادة إحياء دولته التي انتهت في بلاد الشام. وفي هذه الخطوة يكون تنظيم داعش قد صادر الافكار التي تدعو اليها احزاب اسلامية تنشط في هذا الحيز الجيوسياسي مثل طالبان وحزب التحرير الاوزبكي والنهضة الاسلامية التركستانية والتي تعتقد بان آسيا الوسطى والهند والباكستان وميانمار وماليزيا واندونيسيا تشكل الجزء الشرقي للخلافة الاسلامية.

الصراع الأمريكي الصيني

لم تتردد الادارة الأمريكي منذ أيام الرئيس باراك اوباما، وبعد فشل استراتيجية الاستيعاب التي وضعها وزير الخارجية الأسبق هنري كسنجير، بتأكيد مخاوفها من تنامي النفوذ الاقتصادي الصيني وتأثيره على الاقتصاد العالمي وتحديدا الأمريكي، لذلك ركزت الاستراتيجية التي اعلنها اوباما اواخر رئاسته على مبدأين اساسيين هما:
الانسحاب من التورط المباشر في أزمات غرب آسيا والشرق الأدنى، مع تعزيز الدور العسكري من أجل حماية أمن الطاقة.
تعزيز الجهود لمحاصرة التنين الصيني الاقتصادي، المرشح لكي يتحول الى تحد وتهديد للاقتصاد الأمريكي ودورها العالمي.
هذه الرؤية الاستراتيجية، وإن جاءت على لسان اوباما في اطار دبلوماسي ونظري، الا أنها تحولت مع الرئيس الحالي دونالد ترامب الى مادة جدل يومي وهجمات على منصات التواصل الاجتماعي وسياسة اقتصادية تهاجميه وحرب علنية، من دون مراعاة اي من القواعد التي سبق ان لجأت اليها واشنطن في التعامل مع التحدي الصيني.
ولا شك فإن التمدد الاقتصادي الصيني الذي يقوم على توسيع النفوذ واستبعاد خيار الحرب او المواجهة، بات يشكل مصدر قلق للادارة الأمريكية، من هنا يمكن فهم الاجراءات التي أعلن عنها ترامب بفرض رسوم جمركية على بضائع مستوردة من الصين، والردت الصيني على ذلك. يضاف اليه المخاوف الأمريكية من جهود الصين لمحاصرة الدولار في عمليات التبادل المالي والتجاري دولياً، من خلال تعزيز دور عملتها المحلية اليوان في التعاملات الدولية وصفقات النفط، إلى جانب امتلاكها لنحو 10.98٪ من الاحتياطات المالية الدولية في صندوق النقد الدولي بعملتها المحلية، وكونها أكبر مالك للاحتياطات الاجنبية بقيمة 3 تريليون دولار من ضمنها سندات خزينة أمريكية.
الإعلان الصيني عام 2016 عن إطلاق مشروع بناء ميناء كوادر في باكستان المطل على بحر العرب وخليج عمان، استئجاره لمدة 43 سنة، إلى جانب ربط المنطقة الصناعية في غرب الصين بهذا الميناء عبر إنشاء طريق بري سريع الى جانب خط لسكك الحديد، يعطي بكين فرصة المناورة الاقتصادية الكبيرة للالتفاف على الحصار الأمريكي، ويمنح الصين إمكانية الوصل المباشر بين هذا الميناء وأكبر موانئ اليونانية الذي استثمرته على السواحل الاوروبية. وبالتالي فإنه يعطي فرصاً اقتصادية كبيرة للعديد من الدول المجاورة له للاستفادة من هذه الإمكانيات التي يوفرها، ويبعد المنطقة عن النزاعات ذات البعد العسكري.
من هنا جاءت الخطوة الإيرانية بالانفتاح على التعامل مع المشروع الصيني في باكستان على الرغم من التحدي الذي يسببه لمشروعها في بناء ميناء تشابهار بالشراكة مع الهند، وهي تسعى للاتفاق مع باكستان والصين على بناء خزانات لنفط والغاز في المنطقة الاقتصادية لهذا الميناء من اجل اعادة تصديرها نحو الهند والصين بالاستفادة من خطوط النقل البري والحديدية التي ستقام بالتوازي مع بناء الميناء. إضافة الى إعلان دولة قطر عن الاستثمار بنحو 15 ٪ من كلفة بناء ميناء كوادر، وإعلان السعودية عن التفاهم مع باكستان لبناء مصفاة للنفط بقيمة 10 مليار دولار أمريكي.

دور تنظيم «الدولة» المحتمل

يبدو أن النتائج التي كانت تتوخاها الادارة الأمريكية من فرض رسوم جمركية على البضائع الصينية لم تتحقق، ولم تأت الحسابات كما كان متوقعاً، خصوصاً وأن الاجراء الصيني المقابل سيؤثر سلباً على الاقتصاد الأمريكي وإن كان ليس بالحجم الكبير، لكن تأكيد ترمب على عدم السماح للصين بالتحول الى قوة اقتصادية تهدد تفوق أمريكا، يشكل تعبيراً واضحاً عن عمق الأزمة.
ومن منطلق أن الصراع بين المتنافسين، وفي حال تفضيلهما عدم الدخول في مواجهة مباشرة، يسمح باللجوء إلى توظيف أدوات أمنية لإرباك مشروع الطرف المنافس، فمن غير المستبعد هنا، وعلى الرغم من تأكيد واشنطن على سياستها في محاربة الإرهاب والجماعات الإرهابية وفي مقدمها تنظيم داعش، اللجوء الى استخدام هذه الورقة لمواجهة الاستدارة التي يقوم بها التنين الصيني باتجاه المياه الدافئة في الخليج وشواطئ البحر الابيض المتوسط، انطلاقاً من المقاطعات الغربية باتجاه الشرق مروراً بالاراضي الباكستانية، وتحديداً اقليم كشمير الذي يشكل المنطقة الحدودية المشتركة بين البلدين.
وبالعودة الى إعلان تنظيم «الدولة» عن إقامة ولاية الهند في إقليم كشمير، فإنه لا يشمل فقط المنطقة الهندية، بل يضم أيضاً المنطقة الباكستانية للتداخل القبلي والديني الذي يجمع بين شقي الإقليم. والأحزاب الإسلامية التي تنشط بين طرفي كشمير هي أحزاب واحدة وذات امتدادات متداخلة، وبالتالي فإن التنظيم سيقوم باستقطاب عناصر هذه الاحزاب التي لم تتخل في أيديولوجيتها عن حلم اقامة الخلافة الاسلامية، ما يجعل بالتالي كل أراضي هذا الإقليم مسرحاً لنشاطه.
وبما أن الاقتصاد في حاجة الى الأمن والاستقرار، وأن المخاوف الأمنية على المشاريع الاقتصادية تتضاعف لدى المستثمر الصيني الخاص والرسمي، فان تحويل مناطق إقليم كشمير إلى مسرح للصراع بين الدوليتين الباكستانية والهندية مع الجماعات الإسلامية الإرهابية يخرج الصراع بينهما عن طبيعته التي سادت على مدى العقود الماضية منذ انفصال باكستان، ويضعه في منطق آخر للصراع الذي لا ترغبان به، وبالتالي فانه لن يهدد فقط الطموحات الاقتصادية الصينية في بناء طريق بديل عن طريق الحرير، بل أيضاً سيضرب مراهنات النمو الاقتصادي للدول المستفيدة من هذه المشاريع، ويضعها في دائرة الصراعات الداخلية التي تهدد استقرارها. ويكون بالتالي قد حقق الجانب الأمريكي جزءاً مهماً وأساسياً من استراتيجيته في محاصرة التنين الصيني الاقتصادي والمالي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى