آراء

فضح أسراره ويحاول إسقاطه في الانتخابات.. لماذا يخشى ترامب كتاب مستشاره السابق؟

في يوم الثلاثاء 16 يونيو طلبت إدارة ترامب من قاضٍ فيدرالي أن يحظر كتاب مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون. الكتاب يحمل عنوان “The Room Where It Happened”، ولقد حُظِرَ الكتاب مرتين لأنه يتضمَّن مذكراتٍ تُفشي أسراراً عن الحياة في البيت الأبيض في ظلّ ترامب. وفي الأسبوع الماضي، قالت دار نشر Simon & Schuster، التي كانت ستنشر كتاب بولتون: “هذا الكتاب لا يريد دونالد ترامب أن يقرأه”.

ولقد أصابوا في قولهم هذا، إذ يصوِّر الكتاب حقيقة “الرئيس الذي لا يهمه شيء سوى إعادة انتخابه، حتى إن كان ذلك يعني إضعاف الأمة الأمريكية أو تعريضها للخطر”.

ودعونا نتعمَّق في مضمون الكتاب.

من المؤكَّد أن المناورة الأخيرة للإدارة الأمريكية الحالية الساعية لحظر الكتاب لا ينبغي أن تمثِّل مفاجأة لأحد، ففي وقتٍ سابق من هذا العام، حين برَّأ مجلس الشيوخ لتوِّه الرئيس، الذي كان في الوقت نفسه يتجاهل التحذيرات المتنامية بشأن فيروس كوفيد-19، كان ترامب يطالب أيضاً بالتحقيق الجنائي مع بولتون. وأُفيدَ بأن ترامب يتهم كل من يستمع لأحاديث أو يقرأ ما يكتبه بولتون بالخيانة.

لكن بعيداً عن العداء الشخصي بين ترامب وبولتون، فإن هذه هي المعركة التي يتلهَّف عليها ترامب، يراها الرجل البرتقالي فرصة لإسكات منتقديه.

قبل عامين، هدَّد الرئيس وأتباعه بحظر نشر كتاب “Fire and Fury”، الذي يفضح فيه مايكل وولف كواليس البيت الأبيض في ظلِّ إدارة ترامب، بعدما نشرت صحيفة The Guardian البريطانية مقتطفاتٍ من الكتاب.

لم يأتِ التحذير الرسمي من الكتاب على ذكر الأمن القومي، وهو أمر غير مفاجئ، إذ إن كتاب وولف يدور حول حقيقة نظام ترامب، الذي هو خليطٌ من الفشل والنميمة. وكأنك لا تقرأ حقيقة البيت الأبيض، بل مزيجاً من رواية Lord of the Flies ومسلسل Gossip Girl، حيث الضغائن والغيرة والأحقاد بين المسؤولين، وليس أسرار الدولة.

ورغم تحذيرات البيت الأبيض فإن دار Henry Holt استجابت وقامت بنشر كتاب مايكل وولف بعد أربعة أيام، ووصفت الكتاب بأنه “مساهمة استثنائية لمسارنا الوطني”.

لم تُرفَع قضيةٌ من البيت الأبيض في أعقاب ذلك، وكانت الخسائر محدودة. وتلقَّى ستيف بانون، وهو لاجئ آخر في البيت الأبيض، أمراً بالتوقُّف عن التحدُّث إلى الصحافة بعدما فضح الكتاب الكثير من ألاعيبه.

ويبدو أن إدارة ترامب غير عازمة على استخدام المحاكم لإسكات منتقديها وفاضحيها هذه المرة أيضاً.

من فيتنام إلى بولتون.. هل يعيد التاريخ نفسه؟

خلال الولاية الأولى للرئيس ريتشارد نيكسون، نشرت صحيفتا New York Times وWashington Post الأمريكيتان سجلاً رسمياً سرياً عن حرب فيتنام، أوضح بجلاءٍ أن جهود الجيش الأمريكي في جنوب شرق آسيا كانت محتومة الفشل. لم يكن الأمريكيون ليحقِّقوا أيَّ انتصار. حين أدَّى نيكسون اليمين كان 40 ألف جندي أمريكي قد قُتِلوا بالفعل، و20 ألفاً آخرين مُصابين.

وآنذاك، مثلما هو الحال الآن، احتدم غضب الرئيس وتنحَّى التعديل الأول للدستور جانباً. وسعى نيكسون وحلفاؤه لمنع الصحيفتين من قول الحقيقة، ولحسن الحظ خسرت الحكومة أمام المحكمة العليا الأمريكية بقرارٍ صوَّت لصالحه 6 مقابل 3.

وفي رأيٍ تاريخيٍّ متوافق مع ذلك، رأى هوغو بلاك، القاضي الراحل المشارك في المحكمة العليا سابقاً، أنه يجب إخلاء الأمر القضائي المؤقَّت الذي حصلت عليه الحكومة دون جدالٍ شفهي. كتب بلاك: “إن استمرار كلِّ الأوامر المؤقَّتة في كلِّ لحظةٍ لهو بمثابة انتهاكٍ صارخٍ ولا يمكن الدفاع عنه وانتهاك مستمر للتعديل الأول”.

أما العلاقة بين الصحافة والمواطنين والحُكَّام فقد كان التوافق مؤكَّداً بالمثل: “كان على الصحافة أن تخدم المحكومين، لا الحُكَّام. أُبطِلَت سلطة الحكومة لفرض الرقابة على الصحافة حتى تظل الصحافة حرة للأبد في فرض الرقابة على الحكومة”.

وبالتأكيد لم يكن المُطوِّر العقاري السابق في مانهاتن من المُعجَبين بحرية التعبير والصحافة.

قبل أعوامٍ مضت، رفع ترامب دون جدوى دعوى قضائية ضد صحيفة New York Times والصحفي الاستقصائي تيم أوبراين، لأنهما تهوَّرا وسألا عمَّا ادَّعاه الملياردير. وفي الآونة الأخيرة تدَّعي حملة ترامب أنهم تعرَّضوا للتشويه من قِبَلِ صحيفتيّ Washington Post وNew York Times لنشرهما مقالاتٍ افتتاحية تتعلَّق بالتدخُّل الروسي المُحتَمَل في انتخابات 2016. دعا ترامب أيضاً إلى قوانين أكثر صرامة تتعلَّق بالتشهير، وسعى إلى تجريد جيم أكوستا من شبكة CNN من تصريح الدخول إلى البيت الأبيض، وتعامَلَ مع مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي كأنه لم يكن.

ويسلِّط النزاع بين ترامب وبولتون الضوء أيضاً على الانقسامات بين المحافظين وداخل الحزب الجمهوري، لم يعد ترامب مُفضَّلاً لدى الجميع.

تشاك كوبر هو محامي بولتون، وهو زميلٌ سابق بوزارة العدل في إدارة رونالد ريغان. مثَّل كوبر أيضاً جيف سيشنز، المُدَّعي العام السابق، خلال التحقيق الخاص بمولر، ويخوض سيشنز حالياً معركةً من أجل ترشيحه عن الحزب الجمهوري لمقعد ألاباما في مجلس الشيوخ. وبالمثل عملت سارة تينسلي، المتحدِّثة باسم بولتون، في البيت الأبيض في ظلِّ ترامب، وحملت أسراراً تحمل أوراق اعتمادها من سنوات ريغان أيضاً.

في يوم الإثنين 15 يونيو، اتَّهَمَ ترامب بولتون بـ”إفشاء معلوماتٍ سرية”، ووَصَفَ كتاب “The Room Where It Happened” بأنه “غير مناسب على الإطلاق”. وبالنسبة لشخص بولتون فقد ذكر ترامب أنه “ربما لا يقول الحقيقة. لقد عُرِفَ كثيراً بأنه لا يقول الحقيقة”.

حقاً؟

بولتون هو الرجل الذي يحتفظ بكل صغيرة وكبيرة، ولا تغيب عنه معلومة أو ملاحظة، أما الرئيس فهو يأتي تابعاً باستمرار وراء المرشح الديمقراطي جو بايدن في استطلاعات الرأي. ومثل الانتخابات المقبلة، ستكون هجمة ترامب القانونية على بولتون تاريخية، وربما سيشاهد القاضي هوغو بلاك ما سيحدث في غرفة المحكمة في السماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى