آراء

لوفيجارو: باريس غير مؤهلة لإعطاء الدروس للبنان

في مقال رأي بعدد صحيفة لوفيجارو الفرنسية الصادر اليوم الثلاثاء، قال الصحافي والباحث الجيوسياسي الفرنسي المشهور رونو جيرار، إن الانفجار الضخم الذي دمر منشآت مرفأ بيروت يوم الثلاثاء الماضي، وألحق أضرارا جسيمة بالأحياء المسيحية القديمة، هو مأساة أخرى للبنان، الذي كان أصلاً ضحية أزمة سياسية ومالية خطيرة. والمسؤولية تقع على إهمال الدولة، التي أهملت تفريق مخزون كبير جدًا من نترات الأمونيوم، على الرغم من التحذيرات المتكررة من قبل سلطات الموانئ.

واعتبر الكاتب -وهو مؤلف كتب حول الشرق الأوسط وباكستان وأفغانستان- أن مأساة الانفجار في مرفأ بيروت ولدت من انهيار المؤسسات اللبنانية، مشددا في الوقت نفسه على أن فرنسا غير مؤهلة لأن تعطي الدروس للبنان، لأنها هي نفسها تعرضت لانفجار قاتل سببه نترات الأمونيوم، وقع في مصنع بمدينة تولوز في سبتمبر عام 2001. وأيضا شهدت الحريق المروع الذي نشب في كاتدرائية نوتردام العريقة في شهر أبريل عام 2019.

 

لكن الكاتب اعتبر أن فرنسا كانت محقة بالإسراع لمساعدة لبنان، لأنها هي من أقامت هذا البلد في عام 1920 على أنقاض الإمبراطورية العثمانية بناء على طلب من الطائفة المسيحية التي كانت تشكل غالبية السكان.

والأمة اللبنانية هي أمة لطالما تحدثت نخبها اللغة الفرنسية، كما أن لبنان هو بلد تخاصم الجنرال ديغول مع إسرائيل بخصوصه وفرض عليها حظراً كاملاً على الأسلحة بعد العملية العسكرية الإسرائيلية بمطار بيروت في ديسمبر عام 1968.

 

ومضى جيرار إلى التوضيح أن لبنان يحظى بالعديد من الأصدقاء في الغرب وفي العالم العربي، ويستفيد أيضا من دعم جالية غنية جدا تضم ​​عشرة ملايين شخص، تتكون من أسر ناجحة في الأمريكتين وفي أوروبا وأفريقيا والخليج. ولكن رغم كل ذلك، فإن لبنان عاجز حتى الآن عن استعادة دولة قوية مستقلة، كما كان الحال خلال فترة رئاسة فؤاد شهاب ( 1958 – 1964 )، التي كان يوصف فيها لبنان بـ“سويسرا الشرق الأوسط”.

وتابع الكاتب التوضيح أنه منذ اتفاقية القاهرة في نوفمبر 1969، انتهى استقلال لبنان تدريجياً تحت ضربات القوى الإقليمية، التي أصبح هذا البلد الصغير مسرحاً لمواجهاتها بالوكالة خلال سنوات الحرب الأهلية (1975 – 1990).

فالنظام الطائفي الذي بدا في البداية على أنه نموذج للعدالة والتوازن والتسامح، أصبح تدريجياً سماً يشل الدولة اللبنانية. ولم يستطع هذا البلد تجنب التأثيرات الخارجية: الوجود العسكري السوري حتى عام 2005، والتوغلات الإسرائيلية المتكررة، وعسكرة المجتمع الشيعي من قبل إيران عبر جماعة حزب الله، والمال السعودي لبسط النفوذ على الطائفة السنية.

 

ومع ذلك، يقول الكاتب، نجح اللبنانيون في عدم الوقوع في شرك الحرب الأهلية السورية المستمرة منذ تسع سنوات، حيث ظلوا محايدين. لكن لبنان لم يستعد بعد سيادته الكاملة، إذ يظل اللعبة المحتملة للصراعات الخارجية. فمليشيا حزب الله الشيعية تبقى اليوم أداة في يد قائد الثورة الإيرانية في مواجهتها الكبرى مع إسرائيل. بينما فكر المسيحيون اللبنانيون لفترة من الوقت في تحالف استراتيجي مع إسرائيل لضمان بقائهم على قيد الحياة قبل التخلي عن الفكرة عام 1983.

وخلص الكاتب الفرنسي إلى القول إن بَحثَ اللبنانيين عن الأمن عن طريق القوى الإقليمية (إسرائيل، مصر، السعودية، إيران وتركيا) هو وهمٌ. فوحدها القوى الكبرى العالمية التي ليست لديها أي أطماع، هي من يمكنها أن ترسم خطة أمنية للبنان على المدى الطويل. إذ يمكن لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي يجمع هذه القوى، أن يتبنى حلاً يجعل من لبنان بلداً محايداً رسمياً ويحدد حدوده بشكل نهائي. ولكن يجب أن يتم ذلك تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، حتى يتم التصدي بشكل شرعي لكل من يجرؤ على تقويض هذا الحياد، على غرار الحرس الثوري الإيراني الطامح إلى شن حرب بالوكالة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى