آراء

متى يصبح الرد الفوري ضد الأهداف الإيرانية استراتيجية إسرائيل الجديدة؟

لا حاجة لعين حادة أو أذن موسيقية كي تميز بأن شيئاً ما أساسيا في سياسة الأمن الإسرائيلية تغير في الأسابيع الأخيرة. فالحرب ما بين الحروب –تلك التي كانت درة التاج في النشاط الأمني على مدى سنين– تذوب أمام ناظرينا، دون أن يتم وضع سياسة بديلة لها.

لقد ولدت الحرب ما بين الحروب في بداية العقد الماضي، ولكنها تضخمت واتخذت شكلاً ومضموناً في أثناء الحرب الأهلية في سوريا. فقد استغلت إسرائيل سنوات الحرب النازفة كي تحقق مصالحها، وعلى رأسها ثلاث مصالح: منع نقل وسائل قتالية متطورة إلى حزب الله في لبنان، ومنع تثبيت وجود إيران وفروعها في سوريا، ومنع أعمال إرهابية معادية على حدود إسرائيل في الجولان.

إن التعليمات الواضحة للحرب ما بين الحروب كانت “العمل دون حافة الحرب”. العمليات والنشاطات كانت تُقر حين كان واضحاً أنه حتى لو انكشفت أو تعقدت فلن تؤدي إلى الحرب، وفي أحيان نادرة أُقرت أعمال مكشوفة بوضوح. وفي ظل الحرب ما بين الحروب نفذت في السنوات الأخيرة آلاف النشاطات. القسم الأكبر منها قام به سلاح الجو. ولكن كانت هناك أعمال أخرى – من سايبر، عبر عمليات خاصة وحتى خطوات دبلوماسية واقتصادية وإعلامية وبالوعي. كل هذه جمعت في معركة مرتبة، وإن لم تستبعد التهديدات إلا أنها آخرتها وشوشتها.

ولكن في الفترة الأخيرة كادت الحرب ما بين الحروب تختفي. فلو مر أسبوع دون عملية واحدة على الأقل نسبت إلى إسرائيل في المجال، ففي الأسابيع الأخيرة تفرض إسرائيل على نفسها لجماً ظاهراً. وقد نبع هذا من فترة الانتخابات ومن الرغبة في السماح للاأياد بأن تمر دون تصعيد أمني، ولكن الصورة الكاملة أكثر تعقيداً. فالامتناع الإسرائيلي عن العمل ينبع من الفهم بأن الحرب ما بين الحروب في صيغتها المعروفة –العمل دون حافة الحرب– باتت ذات صلة أقل، وكل عمل إسرائيلي من شأنه أن يؤدي إلى التصعيد، بل وربما إلى الحرب.

وتنطبق الأمور أساساً على إيران. فحتى وقت أخير مضى درج الجيش الإسرائيلي على الحديث عن “الكرت”، والتي لإسرائيل فيه عدد معين من النقاط (أي العمليات). وفي هذا الكرت كان يمكن لإسرائيل أن تعمل بحرية، ومع انتهائه كانت تنتظر الرد. وقد عبر هذا عن نفسه بالأرقام: بينما ضربت إسرائيل عدداً كبيراً من المرات المصالح الإيرانية بشكل مباشر وغير مباشر في المنطقة، لم ترد إيران إلا أربع مرات في السنتين الأخيرتين بهجمات نحو إسرائيل.

أما الآن، فقد طرأ تغيير في السياسة الإيرانية، ودرج الفهم في إسرائيل هو أن كل هجوم سيجابه برد فوري. هذا التغيير ينبع من الثقة التي جمعتها إيران مؤخراً في أعقاب سلسلة خطوات لم تكن ترتبط بإسرائيل، وعلى رأسها هجوم الحوامات والصواريخ الجوالة على البنى التحتية النفطية في السعودية، الذي لم يكن عليه رد. كانت هذه ذروة الحرب ما بين الحروب الإيرانية التي يقودها قائد قوة القدس، قاسم سليماني، ويسعى هو الآخر لتحقيق مصالح بلاده دون أن يورطها في الحرب.

كجزء من هذه الحرب ما بين الحروب، نشر سليماني قوات ووسائل قتالية في لبنان وسوريا، ثم في العراق واليمن. والفكرة هي التهديد، والعمل عند الحاجة أيضاً من غير الأراضي الإيرانية، وهكذا الإبقاء على بعد من الغموض حول هوية المنفذين وإبقاء إيران خارج دائرة الرد المحتمل. تستوجب هذه السياسة من إسرائيل أيضاً تغيير سياستها. وإذا لم تكن الحرب ما بين الحروب تتم بحجوم وأساليب تمت فيها في الماضي خوفاً من التصعيد، فإن على إسرائيل أن تجد وسائل أخرى لصد السياقات المتطرفة التي تتصدرها إيران وحلفاؤها، كي تتمكن من الدفاع عن مصالحها.

مطلوب استراتيجية جديدة

قد يكون لضبط النفس المؤقت الذي تفرضه إسرائيل على نفسها مؤخراً فضائل في المدى القصير، ولكن أضراره قد تكون كبيرة في المدى البعيد. ومثال ذلك ما كان الأسبوع الماضي في لبنان، عندما أطلق حزب الله صاروخ أرض – جو نحو طائرة بلا طيار في جنوب لبنان.

كان الحديث يدور عن تغيير فظ في السياسة من جانب المنظمة التي اختارت استخدام السلاح الذي أبقته للحرب. أما إسرائيل فاختارت ألا ترد على هذا الاستفزاز، وكثيرون في جهاز الأمن يعتقدون بأن هذا كان خطأ، وأنه من الأفضل تدمير فوري لوسيلة الإطلاق التي أطلقت النار؛ من أجل الإيضاح لحزب الله بأنه اجتاز خطاً أحمر، حتى بثمن تصعيد موضعي.

أعربت عدة محافل هذا الأسبوع عن القلق من الامتناع الإسرائيلي عن العمل في هذه الحالة وفي حالات أخرى. وهي تعتقد بأن على إسرائيل أن تبلور لنفسها استراتيجية جديدة، وتطبقها بسرعة. برأي هذه المحافل، رغم الخوف من التصعيد، ليس لإسرائيل مفر من العمل.

لما كانت إيران مصممة على مواصلة سياستها، فلا توجد أي جهة أخرى غير إسرائيل، سواء أمريكا أو روسيا وبالتأكيد أوروبا، لتوقفها، وإذا لم تضع إسرائيل أمام الإيرانيين شارة ثمن واضحة، وتعمل على الفور، فإنها سرعان ما ستتبين بأن المنطقة تتغير، في طالحها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى