تقارير وتحليلات

نيويورك تايمز: الغرب دعم لأكثر من قرن الصهاينة.. وخطة ترامب نتيجة طبيعية للسياسة الأمريكية

أكد الكاتب نيثان ثرول، مؤلف كتاب “اللغة الوحيدة التي يفهمونها: فرض التسوية في إسرائيل وفلسطين”، أن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسلام في الشرق الأوسط “ليست انقلابا على الوضع القائم على أرض الواقع، بل هي نتيجة طبيعية لعقود من السياسة الأمريكية الداعمة في حقيقة الأمر لإسرائيل”، وأنها “تكشف الحقيقة البشعة للسياسة الأمريكية في دعم إسرائيل على حساب الحق الفلسطيني”.

وشدد ثرول، في مقال له بصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، على أن “إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تستمر في الاحتلال العسكري الدائم والتي تطبق قوانين مختلفة على الجماعات المختلفة التي تعيش في نفس المنطقة”، وفي ذات الوقت “من يدعون الليبرالية حول العالم يتجشمون الصعاب لتبرير (أفعال إسرائيل) والدفاع عنها بل وحتى تمويلها”.

ونوه في المقابل إلى أنه “في غياب تبني سياسات ذات أنياب حقيقية، فإن الديمقراطيين الذين ينتقدون خطة ترامب ليسوا أفضل بكثير من الرئيس. إنهم يدعمون الضم والقهر، ليس بالكلمات فحسب بل وبالأفعال كذلك”.

 

وأشار إلى أن خطة ترامب، المعروفة إعلاميا بـ”صفقة القرن”، “تنضوي على عدد كبير من العيوب الشديدة: فهي تعطي الأولوية للمصالح اليهودية على المصالح الفلسطينية، وتكافئ، بل وحتى تحفز، بناء المستوطنات وتجريد الفلسطينيين من أراضيهم”، مشددا على أنها تعطي الأهم لإسرائيل وهي أن تكون القدس، بما في ذلك المدينة القديمة، هي عاصمة إسرائيل الموحدة، وإلى أن تضم إسرائيل جميع المستوطنات بالإضافة إلى وادي الأردن –والذي يشكل تقريبا ربع مساحة الضفة الغربية، بما في ذلك حدودها الشرقية مع الأردن– الأمر الذي سينجم عنه دولة فلسطينية أرخبيلية غير متصلة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، محاطة من كل جانب ببحر من الأراضي الإسرائيلية.

ونوه إلى أن ترامب أعلن أن الولايات المتحدة سوف تعترف بالسيادة الإسرائيلية على جميع الأراضي التي تجعلها الخطة من نصيب إسرائيل، وأنه بعد ذلك بوقت قصير تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بضم جميع المستوطنات وكذلك وادي الأردن.

وعاد الكاتب إلى التاريخ مؤكدا أن الغرب دعم على مدى ما يزيد عن قرن من الزمن الأهداف الصهيونية في فلسطين على حساب الفلسطينيين، سكان البلاد الأصليين. ففي عام 1917 وعدت الحكومة البريطانية بإنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين في الوقت الذي كان اليهود يشكلون أقل من ثمانية بالمئة من السكان.

وبعد ثلاثين عاماً، اقترحت الأمم المتحدة خطة لتقسيم فلسطين، منحت اليهود بموجبها، وهم الذين كانوا أقل من ثلث السكان ويملكون أقل من سبعة بالمئة من الأرض، أغلبية الأراضي.

وحينما نشبت الحرب، احتلت إسرائيل أكثر من نصف الأرض المخصصة للدولة العربية، وحيل بين أربعة أخماس الفلسطينيين الذين كانوا يعيشون داخل ما أصبح حينها حدود إسرائيل وبين العودة إلى بيوتهم. لم يجبر المجتمع الدولي إسرائيل على إعادة الأرض التي استولت عليها ولا بالسماح بعودة اللاجئين.

وبعد حرب عام 1967، احتلت إسرائيل الاثنين والعشرين بالمئة من أراضي فلسطين الباقية بالإضافة إلى شبه جزيرة سيناء من مصر ومرتفعات الجولان من سوريا، وأقامت إسرائيل بشكل غير قانوني مستوطنات في المناطق التي احتلتها وأوجدت نظاما تطبق فيه قوانين منفصلة للجماعات المختلفة –قانون للإسرائيليين وقانون للفلسطينيين– التي تعيش في نفس المنطقة.

وفي عام 1980 ضمت إسرائيل بشكل رسمي القدس الشرقية. وكما كان الحال مع النشاط الاستيطاني الإسرائيلي، صدرت بعض الإدانات والتحذيرات الدولية إلا أن المساندة الأمريكية المالية والعسكرية لإسرائيل زادت وتعززت.

وفي عام 1993، منحت اتفاقيات أوسلو حكما ذاتيا محدودا للفلسطينيين على جزر سكانية متناثرة ومتقطعة، ولم تطلب الاتفاقيات تفكيك المستوطنات الإسرائيلية أو حتى التوقف عن توسيعها.

وكانت الخطة الأمريكية الأولى التي تضمنت إقامة دولة فلسطينية قد طرحها الرئيس بيل كلينتون في عام 2000، ونصت على أن المستوطنات الإسرائيلية الكبيرة سوف تُضم إلى إسرائيل وأن جميع المستوطنات اليهودية داخل القدس الشرقية المحتلة سوف تُضم أيضا. وقالت إن الدولة الفلسطينية ستكون منزوعة السلاح وستحتوي على مرافق عسكرية إسرائيلية وكذلك على قوات دولية في وادي الأردن يمكن أن تنسحب فقط بموافقة إسرائيلية. وأما فيما يتعلق بصفقة القرن، فإن هذه الخطة –التي تشكلت على أساس مما سبقها من خطط– قد منحت الفلسطينيين مزيدا من الحكم الذاتي فيما تسميه “دولة”.

والآن، بات عدد الفلسطينيين الذين يعيشون في المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية أكبر من عدد اليهود الذين يعيشون فيها، وذلك بحسب ما صرح به الجيش الإسرائيلي. المهم أنه سواء كان ذلك في رؤية ترامب أم في رؤية كلينتون، فقد حصرت الخطط الأمريكية معظم من ينتسبون إلى الأغلبية العرقية في ربع الأرض، مع فرض قيود على السيادة الفلسطينية إلى المدى الذي ربما يتوجب علينا معه أن نطلق عليه اسم حل الدولة ونصف الدولة.

وأكد الكاتب أنه خلال العقود الماضية، وبينما كانت إسرائيل تستولي ببطء على الضفة الغربية وتفرض هيمنتها عليها، وتضع في المناطق المحتلة ما يزيد عن ستمئة ألف مستوطن، زودت الولايات المتحدة إسرائيل بالمساندة الدبلوماسية، وبسلاح الفيتو داخل مجلس الأمن الدولي، وبممارسة الضغط على المحاكم وهيئات التحقيق الدولية لكي لا تتعقب إسرائيل بالمساءلة والمحاكمة، إضافة إلى مليارات الدولارات على شكل مساعدات سنوية.

وتناول الكاتب مواقف بعض الديمقراطيين الذين ترشحوا الآن لمنصب الرئاسة، الذين عبروا عن عدم رضاهم عن الضم الإسرائيلي، رغم أنهم لم يقترحوا شيئا من شأنه أن يوقفه عند حده. و أخذ على سبيل المثال السيناتور الديمقراطية آمي كلوبتشر التي أعلنت عن معارضتها للضم ووقعت على خطاب ينتقد خطة ترامب “لتجاهلها القانون الدولي”، بينما كانت هي المتبنية لقرار في مجلس الشيوخ يعبر عن اعتراضه الشديد على قرار لمجلس الأمن الدولي في عام 2016 طالب إسرائيل بوقف النشاطات الاستيطانية غير القانونية.

كما أن غيرها من الديمقراطيين مثل السيناتور إليزابيت وارين وبيت باتيجيغ يقولون بأنهم غير مستعدين لتقديم الدعم المالي الأمريكي لعمليات الضم الإسرائيلية. إلا أن ذلك منهم لا يعدو كونه ذرا للرماد في العيون بما يسمح لهم بأن يبدوا صارمين بينما لا يهددون بشيء ذي قيمة، وذلك أن المساعدة الأمريكية ما كانت، في أي حال من الأحوال، لتذهب مباشرة لتمويل المهام البيروقراطية التي ستتم، مثل تحويل المسؤولية تجاه سجل الأراضي في الضفة الغربية من الجيش الإسرائيلي إلى الحكومة الإسرائيلية.

 

وذكر الكاتب أنه فيما عدا بعض الإشارات المبهمة إلى استخدام المساعدات كوسيلة للضغط، لم يتقدم مرشح رئاسي واحد، باستثناء السيناتور بيرني ساندرز، بأي مقترحات للبدء بتقليص التواطؤ الأمريكي في الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الفلسطينيين. وذلك أن الإعلان عن معارضة الضم يظل أجوفا بلا أدنى قيمة إذا لم تصاحبه خطط لمنعه أو للتراجع عنه، مثل فرض حظر على منتجات المستوطنات، وتقليص المساعدة المالية لإسرائيل بقدر ما تنفقه من مال داخل المناطق المحتلة، وسحب استثمارات صناديق التقاعد الفيدرالية والولائية من الشركات التي تعمل داخل المستوطنات غير القانونية، وتعليق الدعم العسكري إلى أن تنهي إسرائيل العقوبات الجماعية التي تمارسها بحق مليونين من البشر محاصرين داخل قطاع غزة وتمنح الفلسطينيين في الضفة الغربية نفس الحقوق المدنية التي تمنحها لليهود الذين يعيشون بجوارهم.

وشدد في الأخير على القول: “يحب المدافعون عن إسرائيل أن يقولوا بأن إسرائيل يتم الاستفراد بها، وهم محقون في ذلك، فإسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تستمر في الاحتلال العسكري الدائم والتي تطبق قوانين مختلفة على الجماعات المختلفة التي تعيش في نفس المنطقة، ونجد من يدعون الليبرالية حول العالم يتجشمون الصعاب للتبرير لها والدفاع عنها بل وحتى تمويلها”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى